العلاقة بين الحبّ والجنس
كثيراً ما نسمع من الشباب اليوم وهم يطالبون بما يُسمى بالحرية الجنسية. والبالغين، في أغلب الأحيان، لا يعرفون بما يجيبون فيكتفوا برفض الفكرة جملة وتفصيلاً. أريد أن أقول في البداية، بأن ما سأعرضه هنا قد يرفضه الشباب وأنا أتفهم تماماً هذا الأمر فالشباب هم شباب وقد يصعب عليهم قبول كلامي.
لن أتكلم من باب الأخلاق، فأنا لست برجل أخلاق، بمعنى أنني لست هنا لكي أقول ما هو المسموح وما هو الممنوع. ما أقوله هو مجرد عرض إنساني ـــــــــ نفسي انطلاقاً ممّا أسمعه من خلال إصغائي للعديد من الشبان والبالغين بهذا الخصوص. كما أن الهدف هنا تسليط الأضواء على المعنى الإنساني للجنس.
اعتدنا القول بأن الجنس هو حاجة لدى الإنسان كالأكل
والشرب والنوم وهذا صحيح. لكن ما مكانة الحاجة لدى الإنسان؟ إذا نظرنا إلى حاجات الإنسان سرعان ما نلاحظ بأنه لا يوجد من حاجات بحت فيزيولوجية لدى الإنسان، فالحاجة لديه مسكونة بالرغبة التي تشكل حقيقة الإنسان. والرغبة لدى الإنسان هي دائماً الرغبة في الآخر، فالآخر هو الوحيد الذي يمليني ويعطي معنى لوجودي. مثلاً، إلاَّ في حالات نادرة لا يأكل الإنسان ولا يشرب ولا يمارس الجنس وحده، بل دائماً مع الآخرين. وكلنا نعلم أهمية الموائد في حياة الإنسان على جميع الأصعدة. هنا نلمس كيف أن الرغبة في الآخر تعبر عن ذاتها من خلال الحاجة، فمن خلال تلبية الحاجة ألتقي بالآخر. وما يميّز الرغبة هو استحالة تلبيتها بشكل كامل وكليّ، بهذا المعنى نقول إنها مسكونة بالنقص وما يميّز الإنسان هو النقص بهذا المعنى. هذا يعني أن الجنس هو قبل كل شيء علاقة، علاقة مع آخر مختلف عني جذرياً ولا يحق لي إلغاء اختلافه، لا بل أكثر من ذلك إلغاء الاختلاف هو مجرد وهم ليس إلاَّ.
لنفكر أولاً بعبارة «الحرية الجنسية». هذه العبارة تعني أكثر من أمر واحد. أولاً هذه العبارة تطرح علينا سؤال مهم: أين هي الحرية عندما يفرض الموضوع ذاته عليّ. لا ننسى بأن الحريّة الحقيقية هي الحرية اتجاه الذات، اتجاه الأنا. ثانياً من يطالب بهذه الحرية الجنسية، يقوم بهذا الأمر انطلاقاً ممّا يسمعه أو يراه على شاشات التلفزة أو في الواقع الغربي. هل تساءل هؤلاء، أنه في الغرب عندما يعيش الشباب هذه الحرية، ففي أغلب الأحيان خوفاً من أن يصبحوا موضوع سخرية من قبل رفاقهم والمحيطين بهم؟ فأين الحرية في هذه الحالة؟
إذا طرحنا الآن السؤال عن العلاقة بين الحب والجنس، فماذا يمكننا أن نقول؟ كلمة الحب كلمة مطاطة إن صح التعبير، بمعنى أنه يمكننا أن نفهمها بطريقة مزاجية لما تحمله من معاني. البعض يعرف الحب بأن تضحية، احترام، عطاء، الخ. وهذا صحيح ولاشك! لكن برأيِّ أن أهم صفة للحب هي الاستمرارية. فالحب ليس الانجذاب ولا المشاعر ولا العواطف بالرغم من أهميتها. الحبّ هو في النهاية قرار: قرار أي أننا قرّرنا أن نحب بعضنا بالإضافة إلى وجود المشاعر والانجذاب والعواطف التي، كما نعلم جميعاً لا تدوم، أو أقلّه لا تدوم بنفس الطريقة. فالذين يبنون حبهم عليها سرعان ما يشعرون بالخيبة: «أشعر الآن، بالرغم من أن زواجنا لا يزال حديثاً، بأنه لم يعد يحبني، في البداية كان يتذكر عيد زواجنا، كان يتذكر عيد ميلادي، الخ» واليوم ذهب هراءً كل ذلك!
إذا كان الحبّ هو استمرارية، فما هي العلاقة بينه وبين الجنس. الجنس هو التعبير العميق عن الحبّ. إنه تجسيد للحبّ. والحبّ هم كلمة، بمعنى أن الإنسان يعيش الحبّ أولاً بالكلمة: يعطي ذاته، يعرّيها بالكملة: يقول ذاته، إيجابياته وسلبياته الخ دون أن ننسى بأن الإنسان هو من نتاج الكملة ومدعو ليصبح كلمة، وهذا ليس بالأمر السهل. عندما يتم الأمر بهذه الطريقة يكون الجنس آنذاك تجسيد لهذه الكلمة.
فقبول النقص يعني من جهة قبول اختلاف الآخر، ومن جهة ثانية يعني أنه لا يحق لي استعماله لتلبية حاجتي لأنه في هذه الحالة أنزع عنه صفة الإنسان وأتعامل معه على أنه وسيلة، شيء ما استعمله كما أريد. وأخيراً قبول النقص هو الذي يسمح بعيش علاقة حقيقية من جهة، ويحمي هذه العلاقة من الوقوع في الاندماجية التي تلغي أحد الطرفين وبالتالي هي قاتلة. لأن ما من أحد يشبع الإنسان إلاَّ حضور الآخر في حياته.
من هنا نقول بأن العلاقات الجنسية العابرة لا تحمل شيئاً للإنسان سوى مجرد تلبية حاجة سطحية عابرة. ولهذا السبب سرعان ما يشعر من يعيشها بالفراغ والرغبة في التكرار. بينما من يعيش علاقات حقيقية بالمعنى الذي شرحناه، يشعر بشيء من الملء ولا يسعى إلى التكرار مباشرة.
فالخطر الأكبر في العلاقة الجنسية هو استعمال الآخر، جعل الآخر مجرد وسيلة، وبالتالي إلغاء وجود كإنسان. بالطبع هذه الناحية تتم بشكل لا واعٍ. وهذا موجود أيضاً في الحياة الزوجية، ممّا يعني أن أنسنة الجنس هي عملية لا يمكن أن تنتهي يوماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق